سكار و مغامرة جوف الارض جزء 1

 

الفصل الأول: العرش والبوابة

في قلب مملكة النحاس، حيث تتلألأ الجدران تحت أشعة الشمس الحارقة، وقف الأمير سكار أمام عرش والده، الملك تورفان. كان القصر الملكي تحفة هندسية عظيمة، جدرانه منحوتة بنقوش تمثل أمجاد المملكة، وأعمدته الضخمة تعكس وهج المشاعل كأنها مشتعلة بالنار. في الأعلى، تدلت سلاسل نحاسية طويلة، تصدر أزيزًا خفيفًا كلما داعبتها الرياح الساخنة المتسللة من النوافذ الواسعة.

جلس الملك تورفان على عرشه العريض المصنوع من البرونز الخالص، نظراته ثابتة، تحمل مزيجًا من الحزم والقلق. أمامه، وقف ابنه الوحيد، الأمير سكار، جسده مشدود، وعيناه تشتعلان بتلك الرغبة التي لم يستطع أحد أن يطفئها.

"سكار، لقد حان الوقت لتتحمل مسؤولياتك." قال الملك بصوتٍ ثابت، يملؤه ثقل الحكم. "المملكة بحاجة إلى قائد، وليس إلى مغامر يطارد الأوهام."

رفع سكار حاجبه بسخرية، ثم تقدم خطوة، واضعًا يده على خنجره المزخرف. "مسؤولياتي؟ هل تعني أن أُسجن في هذا القصر بينما العالم خارج هذه الجدران يشتعل؟ هل تريدني أن أكون ملكًا يراقب بدلًا من أن يقاتل؟"

نهض الملك من عرشه ببطء، وخطواته على الأرضية المعدنية ترددت كنبضاتٍ ثقيلة. "الملك لا يراقب، بل يحكم. الحكم ليس قيدًا، بل درعٌ يحمي شعبك. لقد كنت مثلك يومًا، أبحث عن المجد في ميادين القتال، حتى أدركت أن أعظم معركةٍ هي الحفاظ على المملكة، وليس إغراقها في الدماء."

قبض سكار يده بقوة حتى ابيضّت مفاصله، ثم أطلق نفسًا ساخنًا وقال بصوتٍ خافت لكنه مفعم بالغضب: "وأنا لا أريد سلامًا مزيفًا! أعداؤنا يتربصون بنا، وأنت تريدني أن أتعلم فن الجلوس على العرش بينما عالمنا ينهار؟ القوة الحقيقية ليست في الكلمات، بل في السيف الذي يشق الطريق."

وقف الاثنان وجهًا لوجه، النار تشتعل بين نظراتهما، أحدهما متشبثٌ بالحكمة، والآخر أسيرٌ لنار الشباب والتمرد. للحظة، خيّم الصمت بينهما، لكن الهواء كان مشحونًا بما هو أكثر من الكلمات.

"يجب أن تفهم شيئًا، يا بني." قال الملك أخيرًا بصوتٍ منخفض، لكنه كالسيف في حدّته. "القوة التي لا تُضبط بالحكمة تهدم أكثر مما تبني. إذا لم تدرك هذا، فلن تكون ملكًا أبدًا."

لم يجب سكار، فقط استدار بخطواتٍ ثقيلة نحو الأبواب العملاقة، ووضع يديه على مقابضها المزخرفة، ثم دفعها بقوةٍ خرج معها زئير الرياح الحارة. لم يلتفت، لم يقل كلمةً أخرى، بل اختفى في الأفق المحترق، تاركًا وراءه عرشًا لا يزال ينتظره، وأبًا يتأمل ظله المتلاشي.


كانت الشمس في أوجها حين خرج سكار من القصر، متجهًا نحو الغابة الحديدية الواقعة على أطراف المملكة. الغضب يتغلغل في صدره، وحرارة الرمال الساخنة لم تكن شيئًا مقارنة بالنيران المشتعلة داخله.

الغابة الحديدية لم تكن مثل أي غابة أخرى، لم تكن تعج بالحياة، بل كانت كيانًا ميتًا صلبًا، أشجارها سوداء، جذوعها مشققة كأنها تعرضت لحرائق أبدية، وأوراقها كصفائح معدنية تصدر صوت خشخشة حادة كلما مرت بها الريح. لم يكن أحد يدخلها إلا الصيادون، أو أولئك الذين لم يجدوا مكانًا لهم في المملكة.

غاص سكار بين الأشجار المتحجرة، خطواته تثير الغبار الناعم، وعيناه تبحثان عن شيء لم يكن يعرفه بعد. لكنه لم يكن وحيدًا.

في الظل، وسط الأشجار العملاقة، كان هناك وميض غريب، وميض لم ينتمِ إلى هذا المكان. تقدم بحذر، يده على مقبض سيفه، وعيناه متسعتان بدهشة متزايدة.

في وسط فراغ دائري داخل الغابة، كانت تنتصب بوابة غامضة، بارتفاع ثلاثة رجال، منحوتة من حجر أسود لم يره من قبل. كانت تلمع بنقوش متوهجة، دوائر وأشكال غريبة، كأنها تنبض بالحياة، تدور حول مركزها الذي بدا كمرآة تعكس سماءً لم تكن سماء هذا العالم.

وقف أمامها، يراقبها بذهول. شعر بشيء ما يجذبه نحوها، وكأنها تناديه.

مد يده ليلمس سطحها المتلألئ، وما إن فعل، حتى اهتزت الأرض تحته، وانفجرت البوابة بضوء أزرق ساحق.

شعر بقوة غير مرئية تلتف حوله، تجذبه نحو البوابة، كأنه يُسحب نحو شيء لا يمكن مقاومته. حاول التراجع، لكن الوقت كان قد فات.

لم يعد هناك صحراء.

لم يعد هناك ضوء الشمس الحارق.

كان هناك سقوط، شعور غريب بالانجراف في الفراغ، ثم...

ظلام دامس.

ثم، انفجار من الألوان والضوء، وهوى جسده نحو عالم جديد، عالم لم يكن يعرف بوجوده، لكنه كان على وشك أن يصبح جزءًا منه.

تعليقات

المشاركات الشائعة